(كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ) الرعد: 17.
صدق الله العلي العظيم
قلة هي الدراسات المقدمة عن شخصية المجاهد الإسلامي المختار الثقفي الذي جعل من شعار (يالثارات الحسين) واقعاً فرحت به قلوب المؤمنين وما زالوا يذكرون به حين اقتص من قتلة الإمام الحسين بن علي عليهما السلام في معركة كربلاء.
في (المقدمة) نقرأ هذه النظرات:
المتتبع للدراسات عن التاريخ وأعلامه يرى أن بعض آراء المفكرين والدارسين قد توقفت عند حدود معينة، لم يحاولوا تجاوزها في الغالب، والنتائج التي وصلوا إليها ربما تعتبر من المسلمات التي لا يمكن المساس بها.
وما هذه الحالة إلا نكسة حقيقية تمر بها المدرسة التاريخية وأساتذتها فإن من باب إبداء الرأي النابع من الشاهد التاريخي والدليل العقلي يجب أن يبقى مفتوحاً، لتتكامل رؤيتنا عن ماضينا الذي هو الأرض التي نقف عليها.
فعند مراجعة التاريخ الإسلامي بشكل عام نجد أن هناك شخصيات كثيرة تعرضت للنقد والتجريح وصارت هدف كُتاّب التاريخ قديماً وحديثاً. ولكن وعند المراجعة الدقيقة تتجلى لنا الكثير من الخفايا، ويظهر لنا بشكل واضح براءة أولئك مما نسب غليهم من البهتان، بل قد تظهر صفحات ناصعة من حياتهم كانت مدفونة تحت ركام الاتهام.
ويظهر هذا بشكل جلي في أتباع أهل البيت عليهم السلام ومناصريهم، والرجال الذين وقفوا دفاعاً عن الحقيقة والحق المهدور، من أمثال محمد بن الحنفية والمختار الثقفي وزيد بن علي ومحمد ذي النفس الزكية وابن العلقمي وغيرهم.
وفي مقابل هذا تجد الأضواء تسلط على بعض من كان لهم الدور الأكبر في هدم الإسلام وتحريف مناهجه، كمعاوية وعمرو بن العاص والحجاج... وأمثالهم ويأخذ بعض المؤرخين على عاتقه تلميع هذه الوجوه وتزينها لتبدو للقارئ بلا خدوش، بل يصوّر لهم وكأنهم حاملوا لواء الإسلام والمدافعون عن الحق والحقيقة، وهم من هذه الصفات الحسنة براء. كما أن أولئك الصالحين أبرياء من السوء الذي أُلصق بهم.
من الأبطال الذين تأثروا بواقعة كربلاء، وصمم على النهوض دفاعاً عن أحلام الضعفاء واسترجاعاً لحقوقهم المسلوبة المختار بن أبي عبيد الثقفي.
السؤال الخاطئ يؤدي إلى جواب خاطئ حتماً والواجب الأخلاقي يقتضي دوماً الالتزام بالموضوعية وإقرار أسسها.
وفي (توطئة) نقرأ هذه التذكيرات التاريخية:
قد قامت كثير من الثورات الشيعية في التاريخ وبعضها قد نجحت في أخذ زمام الحكم، مثل الفاطميين في مصر والبويهيين في العراق، وكذلك حكم الشيعة في اندونيسيا قرابة 300 عام، وكذلك الدولة الحمدانية في حلب وغيرها. وهناك الكثير من الثورات الشيعية التي قامت ضد الحكم الظالم في زمانها لم تنجح في السيطرة على الحكم.
الالتزام بأداء الواجب الاستثنائي والشجاع سمة بطولية لن تتحقق لأي كان فالمرء إذا ما وضع دمه على كفيه عند الخطوب عن حق فإن الله سبحانه وتعالى يكون ناصراً له.
أما في الفصل الأول (المختار الثقفي) فنقرأ هذه التعريفات:
نشأ المختار في أسرة عريقة، فوالده: أبو عبيد بن مسعود... بن قسي - وهو ثقيف... بن هوزان[1]، وأمه دومة بنت عمرو بن وهب بن متعب[2] وكانت من ربات الفصاحة والبلاغة والرأي والعقل[3]، ولما حملت بالمختار قالت: رأيت في النوم قائلاً يقول:
أبشريِ بالولدْ أشبه شيء بالأسدْ
إذا الرجال في كبد تقاتلوا على بلد
كان له الحظ الأشد
وكان مولد المختار في عام الهجرة 622م في الطائف.
وأما والد المختار فقد اعتنق الإسلام، وأخلص له، وأصبح من أبرز المجاهدين في سبيل نشره، فكان قائداً من قواد الجيوش الإسلامية التي توجهت لفتح العراق في مطلع خلافة عمر بن الخطاب، ومات في ساحة القتال شهيداً من أجل رفعة شأن الإسلام.
ومن عنوان (مكانته الاجتماعية) نقرأ هذا التوثيق:
كان المختار ذا مكانة اجتماعية راقية، وذا شخصية قوية، وعلى حد قول ابن عبد البر: (كان معدوداً من أهل الفضل والخير) ويقول أيضاً: (المختار معدود أهل الفضل والدين)[4].
ومع عنوان (حالته الاقتصادية) نقرأ هذه البدائع التي أنعم الله سبحانه وتعالى من نعمه عليه:
كان المختار أحد الأثرياء في زمانه، فهو يملك الكثير من الأموال والأراضي الزراعية والمماليك.
فقد كانت له قرية كاملة اسمها (لقفا) في منطقة (خطرانية)[5].
وضمن عنوان (المختار وأهل البيت عليهم السلام نقرأ عن هذه التأثيرات الإيجابية لشخصيته):
كان المختار قديم الصلة بأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منذ نعومة أظفاره، فتربى عندهم ونشأ بينهم.
فقد توسم فيه الإمام علي عليه السلام منذ صباه الفطنة والذكاء... ويقول له: (يا كيس.. يا كيّس).
من دُرر العقل امتلاك الوعي بمعرفة العدو الجهول.
بمتن عنوان (أخبار نهضته الحسين عليه السلام ووصولاً تباعاً إلى السجن، نقرأ هذه الأفكار التي كانت تختلج في صدور الناس الطيبين:كان المختار وأصحابه السجناء على علم بتحرك الحسين عليه السلام بأهل بيته وأنصاره، وقد شاهدوا انقلاب الوضع في الكوفة ضد أهل البيت عليهم السلام وأخذ الحكومة الناس بيد من حديد.
وكان الصمت قد لفّهم وهم يترقبون الأحداث وما ستؤول إليه الأمور، بعضهم يرى أن الحسين سيقضي على الأمويين وترجحّ كفة العدل والحقن والبعض الآخر يرى خلاف ذلك.
كان المعتقلون يعيشون في ظل هذه الدوامة من الأسئلة اللامتناهية...
وكانت الأيام تمر سراعاً والأخبار لا تأتي إلا بما يسوء، وكان بشائر الخير ولت إلى غير رجعة، وفجأة يقرع أسماعهم نبأ الفاجعة العظمى، والمجزرة الكبرى، التي ذبح فيها الحسين وآل الحسين عليهم السلام وأنصاره.
وحول (توقيت الثورة) وهذا هو العنوان الفرعي المهم من الفصل الثامن (الانقلاب) إذ نقرأ فيه:
أذعن إبراهيم بن الأشتر لزعامة المختار وأنضم تحت لوائه...
مكث المختار وأصحابه يديرون أمرهم بينهم حتى اجتمعت آراءهم أن يخرجوا الأربعاء مساءً (ليلة الخميس) 14 ربيع الأول / 19 تشرين الأول سنة 685م.
ومن عنوان (كلمة السر وساعة الصفر) نقرأ شيئاً مما تم التمهيد له لتفجير الثورة:
نهض المختار من مكانه، فالأرض لا تحمله لشدة فرحه بقرب إدراك الهدف الذي طالما انتظره بفارغ الصبر، وهكذا وضع أصحابه أمام اللحظة التاريخية الحاسمة، فصاح برجل من أصحابه وقال: قم أنت يا سفيان ليل... وأنت يا قدامة بن مالك فناديا في الناس: (يالثارات الحسين بن علي) وهو منهاج الثورة وأهدافها.
ومن متن عنوان (الاستسلام) نقرأ حول نتيجة الانتصار هذه الخلاصات:
حلّت الليلة الرابعة على ابن مطيع والإشراف وهم تحت الحصار الشديد في القصر، وكان قد أطبقت آراءهم على الاستسلام، لما شاهدوا المختار وأصحابه وما هم فيه من التصميم للوصول إلى أهدافهم... وما زاد في انهيارهم تسلّق همدان القصر بالحبال.
فلما كان الليل وأراد بن مطيع الخروج من الحصار والهروب من القصر جمع إليه أصحابه... وقال عبد الله بن مطيع... إني رأيت أن أخرج من هذا القصر، ولا يتبعني أحد. وكانوا قد أشاروا عليه أن يخرج في زي امرأة ففعل... ثم... خرج من قصر الإمارة...
وفي صباح يوم الأحد 17 ربيع الأول من عام 66هـ 23 تشرين الأول من عام 685م وبعد أربعة أيام من العمل الشاق المتواصل والجهاد المنقطع النظير قطف المضمون أولى ثمار النصر وهم يعدون الثواني واللحظات ليروا أميرهم - المختار بن أبي عبيد - وهو يرتقي المنبر ويعلن ولادة دولتهم الجديدة التي أقاموها بعرقهم ودمائهم وهممهم.
([1]) جمهرة أنساب العرب: ج1 ص 268... يوصل النسب إلى (مُضَر).
([2]) أنساب الأشراف: ج6 ص375.
([3]) أعلام النساء ج1 ص421.
([4]) الاستيعاب (القسم الرابع) ص 1465.
([5]) خطرنية: ناحية من نواحي بابل العراق.
في حال أردتم معرفة المزيد عن هذا الكتاب, نرجوا أن لا تترددوا في التواصل معنا عبر
صفحة التواصل. ويسعدنا الرد عليكم في أقرب وقت ممكن.