لا بد لمن قُدّر له الهجرة إلى بلادٍ مختلفة بقيمها وتقاليدها وعاداتها وفي أغلب أنماط السلوك عما ألفه ودرج عليه واعتاده في موطنه ومدرج صباه، أن يقف وقفة تأمل حيال النقلة التي حصلت له، ويجمع شتات فكره وما تناثر منه في زحمة الانتقال مسترشداً بذخيرته المعرفية ومخزونه الفكري، وقد جاشت بي فكرة الكتابة وتدوين ما أسجف به القلم من أفكار، رغم انعدام المصادر وما يلتجئ المرء إليه من صنوف المساعدة بهذا المجال في الغربة، لخلوّ الأجواء من مصادر الكتب وما إلى ذلك من أدوات الأدب وفنون الكتابة بشتى مصادرها وألوانها، إلا أنني استعنت بالله وبقدرتي الذاتية متكأً بما حفظت وما وصل إلى ذهني من معلومات مخزونة عن طريق القراءة أو السماع أو وسائل الإطلاع المختلفة، لأدوّن خواطر متفرقة، أرى أنها قد تصبّ في إناء الجهد المساعد على رفد الفكر الثقافي والمعرفي بالقدر المتاح، وبالصورة التي تترجم المستوى الثقافي لجهدي الفردي، حسب المنظور الديني والاجتماعي المنسجم والتفاعل الفكري مع الأحداث التي تهمني كإنسان عراقي يعيش مغترباً يشعر بالمسؤولية الأدبية والشرعية والأخلاقية تجاه تواجده مع أبناء جلدته في هذا المجتمع الغريب والمختلف عن أدبياتنا ومعطيات ثقافاتنا، مما يُحتّم مسؤولية خلق الضمانة الوقائية والاحتمائية تجاه تأثيرات تلك الثقافات المغايرة، وما ينجم عنها من ردود سلبية لواقع تصادم الحضارات واختلاف الرؤية الفكرية بين تلك الحضارات. وفي حال خلوّ الأجواء المتمثلة بتلك الظروف الاستثنائية من التفاعل بين الفرد ومجتمعه الذي يعيش فيه بواقع خلوّ هذه الأجواء من مؤسسات تعمل وتخدم في مجال التثقيف والوعي والإرشاد بكل صوره المحسوبة في مفهوم العمل الجماعي، ولضياع أي جهدٍ في هذا المجال لكونه جهد فردي غير مسلّح بأسباب النجاح، أو حتى في وضع البذرة للنجاح والانبثاق إلى ساحات أرحب في مجال العمل. فإنّي أرى في محاولة تدوين هذا الجهد وإيصاله لأذهان الشباب ومن يعنيه أمر حاليته في المغترب قد يساعد في وضع الآخرين أمام مسؤولياتهم فيكونوا قد أمسكوا بسبب من أسباب الدوافع المشجعة لخوض التجربة. والسعي لتحمل المسؤولية في رفد وتعميق الجهد الفكري والثقافي خاصة في الوسط الشبابي المثقف والواعي، وبالتالي يكون جهداً فاعلاً في تحريك وتنشيط الحركة الثقافية والأدبية الخادمة في مجال الموروث الديني والاجتماعي والثقافي، ومن ثم حمايته من النسيان أو الضياع أو الانفلات والانصهار مع تيارات الثقافات الأخرى، كي لا يفقد ذلك الموروث هويته وكينونته، وبمرور الزمن يصبح أثراً بعد عين فلا نجد له رسماً ولا حتى أسماً. وبعد ذلك فإن هذه التجربة التي سعيت لتدوينها وحفظها بكتاب لم تكن معدّة مسبقاً لهذا الغرض، بل جاءت نتاج لعطاء تجاربي إثر مشاركة آنية أو فعالية أدبية، شعرية كانت أو نثرية أو على شكل مقالة أو كلمة أو محاضرة في مناسبات دينية واجتماعية كانت تُقام على السليقة بجهد مشكور من بعض الإخوان في الجالية، حيث يجد المرء نفسه منساقاً بشكل لا إرادي - ممن يملك شيئاً من الملكات الأدبية أو الشعرية أو الفكرية - أن يشارك ليسدّ جزء من الفراغ الهائل والعطش الفكري والأدبي الذي نعانيه في المغترب.
في حال أردتم معرفة المزيد عن هذا الكتاب, نرجوا أن لا تترددوا في التواصل معنا عبر
صفحة التواصل. ويسعدنا الرد عليكم في أقرب وقت ممكن.